الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
لما فرغ من كتابة عبد غير مشترك شرع في كتابة العبد المشترك؛ لأن الأصل عدم الاشتراك قاله في غاية البيان، وقال أكثر الشراح ذكر كتابة الاثنين بعد كتابة الواحد؛ لأن الاثنين بعد الواحد قال رحمه الله: (عبد لهما أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب حصته بألف ويقبض بدل الكتابة فكاتب وقبض بعضه فعجز فالمقبوض للقابض) يعني إذا كان العبد بين اثنين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب حظه وتعبير المؤلف بقوله لهما أولى من تعبير صاحب الهداية حيث قال بين رجلين؛ لأن المثنى يستوي فيه المذكر والمؤنث فيشمل ما إذا كان بين رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة، وقال في العناية وفائدة الإذن أن لا يكون له حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن وفي الأصل وعامة المشايخ لم يشترطوا لصحة الفسخ بالقضاء أو الرضا والإمام العلامة نجم الدين النسفي شرط له القضاء أو الرضا. ا هـ. وهذا هو قول الإمام، وقالا هو مكاتب لهما والمقبوض بينهما وأصله أن الكتابة تتجزأ عند الإمام، وعندهما لا تتجزأ كما ذكر في الإعتاق وفي الشارح وفائدة إذنه بالقبض أن ينقطع حقه فيما قبضه ويختص به القابض؛ لأن إذنه بالقبض إذن لعبده بالأداء إليه إلا إذا نهاه قبل الأداء فيصح نهيه؛ لأنه تبرع لم يتم بعد ا هـ. وجه قول الإمام أن المكاتب نصف كسبه له فإذا أذن للمكاتب أن يصرفه بدينه صح إذنه وتم بقضاء دينه به فكان المقبوض للقابض فإن عجز المكاتب لا يرجع الآذن بذلك وإن لم يحصل مقصوده وهو الحرية؛ لأن المتبرع عليه هو العبد، ولو رجع يرجع على العبد والمولى لا يستوجب على عبده دينا بخلاف ما إذا تبرع شخص بقضاء الثمن، ثم استحق أو هلك قبل القبض أو انفسخ البيع أو تبرع بقضاء مهره وحصلت الفرقة من جهة المرأة حيث يرجع بالمهر والثمن؛ لأن ذمة البائع والمرأة صلحت لوجوب الدين المتبرع عليها فأمكن الرجوع، ولو كان الشريك بالإذن مريضا وأدى من كسبه قبله صح من الثلث؛ لأنه تبرع بعين ماله وفي الأول بالمنافع فالمتبرع بالمنافع يعتبر من جميع المال وبالعين من الثلث وجه قولهما أن الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة كله فإذا كاتبه صار كله مكاتبا نصيبه بالأصالة ونصيب شريكه بالوكالة فهو مكاتب لهما والمقبوض بينهما قيد بقوله أذن؛ لأنه لو كاتبه بغير إذن شريكه صار نصيبه مكاتبا وللساكت أن يفسخ بالإجماع قبل أن يؤدي بدل الكتابة دفعا للضرر عن نفسه بخلاف ما إذا باع نصيبه حيث لا تفسخ؛ لأنه لا ضرر فيه؛ لأنه لم يخرج نصيبه من يده وبخلاف العتق وتعليق العتق بالشرط حيث لا يفسخ؛ لأنه لا يقبل الفسخ وفي العتابية. اعترض بأن الكتابة إما أن يعتبر فيها معنى المعاوضة أو معنى الإعتاق أو معنى تعليق العتق بأداء المال، ولو وجد شيء من ذلك من أحد الشريكين بغير إذن شريكه ليس للآخر ولاية الفسخ فمن أين ذلك في الكتابة وأجيب بأن الكتابة ليست عينا لكل واحد منهما وإنما يشتمل عليها فيجوز أن يكون فيها ولاية الفسخ لمعنى يوجبه وهو إلحاق الضرر، ولو أدى بدل الكتابة عتق نصيبه خاصة عند الإمام لما مر وللساكت أن يأخذ من الذي كاتبه نصف ما قبض؛ لأنه كسب عبد مشترك بينهما. ثم ينظر إن كاتب كله بألف لم يرجع على المكاتب بشيء مما أخذه منه شريكه؛ لأنه مسلم له بدل نصيبه وإن كاتب نصيبه فقط بألف رجع على المكاتب بما أخذه منه شريكه؛ لأن الكل كان بدل نصيبه ولم يسلم له بعضه فيرجع عليه به، وعندهما بالأداء عتق كله ورجع الساكت على شريكه إن كان موسرا وإلا فعلى العبد كما لو أعتقه وله أن يأخذ نصف ما بقي من الأكساب؛ لأنه كسب عبد مشترك، ولو كاتبه الساكت بمائة دينار بعد الأول صار مكاتبا لهما أما عند الإمام فظاهر؛ لأنها تتجزأ، وأما عندهما؛ فلأن الساكت كان له أن يفسخ فإذا كاتبه كان فسخا منه في نصيبه وأيهما قبض شيئا من بدل نصيبه لا يشاركه الآخر فيه وتعلق نصيب كل واحد منهما بجميع بدل الكتابة المسمى في كتابته فإن أدى لهما معا فالولاء لهما عندهم وإن قدم أحدهما صار كمكاتبهما أعتقه أحدهما عتق نصيبه عند الإمام ويبقى نصيب صاحبه مكاتبا ولا ضمان ولا سعاية إلا أن يعجز المكاتب فيخير الساكت بين تضمين المعتق والإعتاق واستسعاء العبد إن كان المعتق موسرا وإن كان معسرا بين الإعتاق والاستسعاء. وعند الثاني يضمن المعتق إن كان موسرا ويستسعى العبد في نصف قيمته إن كان معسرا، وعند الثالث يضمن الأقل من قيمة نصيبه ومن بدل الكتابة في اليسار ويسعى في الإعسار وإن كاتباه كتابة واحدة لا يعتق بأداء نصيب أحدهما إليه ويعتق بإعتاقه وإبرائه وهبة نصيبه؛ لأنه لم يبق له قبله حق فيكون حكمه حكم المسألة الأولى في التضمين والسعاية والعتق والاختلاف فيها وباستيفاء نصيبه لم يبرأ؛ لأن المقبوض حقهما ولهذا يرجع عليه شريكه به فلا يعتق حتى يؤدي الكل وحكمه ظاهر وفي المحيط وإن كاتب نصيبه بغير إذن شريكه فلم يعلم شريكه حتى كاتب نصيبه بإذن الأول، ثم علم، فليس له الفسخ؛ لأن حق الفسخ إنما يثبت للساكت لدفع الضرر عنه والضرر هنا يندفع بالفسخ؛ لأنه يبقى نصيبه مكاتبا وما يأخذه أحدهما بعد هذا يسلم له لا يشاركه صاحبه فيه ونصيب كل واحد منهما مكاتب كتابة على حدة، وإذا كاتب كله بإذن شريكه إلى أن قال فوهب له نصف بدل الكتابة لم يعتق نصيبه، ولو وهب جميع نصيبه عتق نصيبه والفرق أن بدل الكتابة دين واحد فمتى وهب النصف مطلقا ينصرف إلى النصف شائعا من النصيبين فلا تقع البراءة للعبد عن جميع حصته وإنما تقع البراءة عن نصف حصته ومتى وهب حصته وحصته لا تحتمل إلا نصيبه خاصة فيبرأ العبد عن جميع حصته فيعتق بخلاف سائر الديون إذا وهب أحد الشريكين نصف الدين مطلقا ينصرف إلى نصيبه؛ لأن الدين ثمة وجب بإيجابه وبخلاف ما لو باع أحد الشريكين جميع العبد، ثم وهب النصف حيث ينصرف إلى نصيبه خاصة؛ لأن إيجاب نصيب شريكه لم يصح في حقه فصار وجود الإيجاب في نصيب شريكه وعدمه بمنزلة واحدة ا هـ. قيد بقوله ويضمن؛ لأنه لو لم يأذن بالقبض قال في التتارخانية كاتب نصيبه بإذن شريكه ولم يأذن له بالقبض فعلى قول الإمام الجواب فيه كما إذا لم يأذن له أن يكاتب نصيبه في جميع ما ذكرنا من الأحكام إلا في فصلين أحدهما لا يكون للآذن تضمين المكاتب أن يفسخ الكتابة في نصيب المكاتب والثاني أنه متى أدى عتق نصيب المكاتب، وأما على قولهما فقد صار العبد مكاتبا بينهما. ا هـ. قال رحمه الله: (أمة بينهما كاتباها فوطئها أحدهما فولدت فادعاه، ثم وطئ الآخر فولدت فادعاه فعجزت فهي أم ولد للأول ويغرم لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها وضمن شريكه عقرها وقيمة الولد وهو ابنه)، وهذا قول الإمام، وعندهما هي أم ولد للأول وهي مكاتبته كلها وعليه نصف قيمتها لشريكه عند الثاني، وعند الثالث الأقل من نصف القيمة ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة ولا يثبت نسب الولد الآخر من الآخر ولا يكون له الولد بالقيمة ويغرم العقر لها، وهذا الاختلاف مبني على تجزؤ الاستيلاد في المكاتبة فعنده يتجزأ، وعندهما لا يتجزأ واستيلاد القنة لا يتجزأ بالإجماع واستيلاد المدبرة يتجزأ بالإجماع فإذا عرف هذا فنقول عنده إذا ادعى أحدهما الولد صحت دعوته في نصيبه وهي تكفي لصحة الاستيلاد وصار نصيب أم ولده له ولم يتملك نصيب صاحبه فيبقى نصيب الآخر مكاتبا على حاله، وقالا يتملك نصيب صاحبه وصارت كلها أم ولد له؛ لأن الاستيلاد يجب تكميله ما أمكن لكونه قابلا للنقل. وقد أمكن هنا كما في الأمة المشتركة؛ لأن الكتابة تحتمل الفسخ والاستيلاد لا يحتمل فرجحنا الاستيلاد فكملناه وفسخنا الكتابة في حق التمليك والكتابة تنفسخ فيما لا يتضرر به المكاتب وتبقى فيما وراءه لهذا جاز عتقه في الكفارة بخلاف ما إذا استولد مدبرة مشتركة فإنه لا يكمل ويقتصر على نصيبه؛ لأنه لا يملك تمليكها إذ التدبير يمنع النقل وللإمام أن الاستيلاد يقبل التجزؤ إذا وقع في محل لا يقبل النقل كالمدبرة بين اثنين إذا استولدها أحدهما فإنه يتجزأ ويقتضي الاستيلاد على نصيبه والكتابة عقد لازم كالتدبير فإذا جاءت بولد بعد ذلك وادعاه الآخر ادعاء نسب وولد به له نصفها فتصح دعوته ويثبت نسبه منه فإذا عجزت بعد ذلك جعل كأن الكتابة لم تكن وتبين به أن الأمة كلها أم ولد للأول؛ لأن المقتضي للتكميل قائم والمانع من التكميل الكتابة، وقد زالت فيعمل المقتضي عمله من وقت وجوده فيضمن للآخر نصف قيمتها؛ لأنه يتملك نصيبه لتكميل الاستيلاد ونصف عقرها وضمن الآخر قيمة الولد والولد حر بالقيمة لكونه وطئ أمة الغير فلزمه كمال العقر قال في العناية ينبغي أن لا يضمن شريكه قيمة الولد عند الإمام؛ لأن حكم الولد حكم أمه ولا قيمة لأم الولد عنده فكذا لابنها وأجيب بأن هذا على قولهما أما على قول الإمام، فليس عليه ضمان قيمة الولد وليس هذا الجواب بشيء ا هـ. ولا يخفى أن قوله فكاتباها ليس بقيد احترازي؛ لأنه لو كاتبها أحدهما فولدت فادعاه فالحكم كذلك عند هما قال في المحيط، ولو كاتب نصيبه بغير إذن شريكه، ثم علقت منه فهي أم ولد له وهي مكاتبة على حالها عندهما؛ لأن كلها صارت أم ولد له ويتملك نصيب شريكه بالضمان؛ لأن الكتابة لا تتجزأ عندهما فيضمن نصف قيمتها أو نصف عقرها لشريكه ونصف عقرها لها واختلف على قول الإمام قيل لا يصير الكل أم ولد؛ لأن الاستيلاد لم يفد حق العتق في نصيب المستولد للحال فلا يضمن شيئا لشريكه ويضمن جميع العقر للمكاتبة، وقيل يصير الكل أم ولد له؛ لأن الاستيلاد في نصيبه عامل للحال لقيام ملكه فيه فيمتلكه المستولد فيضمن نصف قيمتها ونصف العقر لشريكه ونصفه للمكاتبة، ولو وطئها الذي لم يكاتب فعلقت به فهي أم ولده والمكاتبة جائزة ولا يتملك نصيب المكاتب بالاستيلاد عنده، وقيل ينبغي أن تنفسخ الكتابة بنفس الاستيلاد، وعندهما يتملك نصيب صاحبه مكاتبة؛ لأن كلها صار مكاتبا بكتابة الأول وصارت كلها أم ولد، ولو كاتبها بغير إذن شريكه واكتسبت مالا وأدت فعتقت، ثم اكتسبت مالا، ثم حضر غير المكاتب فله نصف كسبها قبل أداء البدل وكسبها بعد الأداء لها، وعندهما هي حرة فيكون لها وتأخذ نصف المؤدى من المكاتب. ولو ولدت المكاتبة بنتا فولدت البنت ولدا فادعاه أحدهما صح الاستيلاد منه فإن عجزت المكاتبة صارت البنت أم الولد للواطئ ويضمن لشريكه نصف قيمتها يوم علقت؛ لأن بعجز الأم صارت قنة فيمتلكها المستولد من وقت العلوق فإن لم تعجز وأعتق الشريك الآخر البنت بعد العلوق صح ولا سعاية عليها وولدها حر عند الإمام، وعندهما إن أدت البنت عتقت ولا ضمان ولا سعاية وإن عجزت البنت فالأم فالبنت كأم الولد بين شريكين أعتقها أحدهما مكاتبة بينهما ولدت فأعتق أحدهما الولد عتق نصيبه وإن أعتق الأم عتق نصفه الآخر تبعا للأم وإن عجزت فلشريكه في الولد الخيارات الثلاث مكاتبة بينهما ولدت بنتا فعلقت منهما، ثم ماتا عتقت البنت وحدها والأم مكاتبة على حالها، ولو كانت الأم هي التي ولدت منهما فماتا عتقت وعتق ولدها وإن عجزت، ثم ولدت منهما فالولد الأول رقيق؛ لأن الكتابة انفسخت بالعجز في حقهما وصارا قنين، ثم صارت أم ولد والأول منفصل فلا يسري حق الحرية ا هـ. قال رحمه الله: (وأي دفع العقر إلى المكاتبة صح) يعني وأي دفع العقر إلى المكاتبة جاز؛ لأنه حقها حال قيام الكتابة فإذا عجزت ترده إلى المولى قال في العناية يعني إذا دفع قبل العجز، وهذا قول الإمام، وعندهما صارت أم ولد للأول ولزمه كل المهر؛ لأن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن الضمان الجائز أو الحد الزاجر وانتفى الحد للشبهة فيجب العقر، ولو عجزت فردت في الرق ترد إلى المولى لظهور اختصاصه بها ا هـ. وفي المبسوط كاتب جاريته، ثم مات عن ابنين فاستولدها أحدهما فهي بالخيار إن شاءت عجزت نفسها وهي أم ولد له ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وإن شاءت مضت على كتابتها وأخذت عقرها وسقط الحد لشبهة حق الملك قال رحمه الله: (وإن دبر الثاني ولم يطأها فعجزت بطل التدبير وهي أم ولد للأول)، وهذا بالإجماع أما عندهما؛ فلأن المستولد يملكها قبل العجز، وأما عنده؛ فلأنه بالعجز ظهر أن كلها أم ولد للأول وأنه لم يكن له فيها ملك كما مر والملك شرط لصحة التدبير بخلاف ثبوت النسب؛ لأن الملك من حيث الظاهر كاف ولهذا لو اشترى أمة فدبرها، ثم استحقت بطل التدبير، ولو استولدها فاستحقت لم يبطل وكان الولد حرا بقيمته فكذا هنا وهي أم ولد للأول؛ لأنه يملك نصيب شريكه ويكمل الاستيلاد للإمكان قال رحمه الله: (وضمن لشريكه نصف قيمتها)؛ لأنه يملك نصفها بالاستيلاد على ما بينا قبل ذلك قال رحمه الله: (ونصف عقرها)؛ لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فيجب عليه العقر بحسابه. وقد بيناه من قبل قال رحمه الله: (والولد للأول)؛ لأن دعواه قد صحت على ما مر، وهذا بالإجماع، وهذا متكرر مع قوله وهي أم ولد وأجيب بأن ذلك في ذات الأمة، وهذا في الأولاد فلا تكرار واعترض باختلاف الموضوع بأن هذا يوهم أن الثاني وطئ وادعى والموضوع خلافه فلو قال وتم الاستيلاد للأول لسلم قال رحمه الله: (وإن كاتباها فحررها أحدهما موسرا فعجزت ضمن لشريكه نصف قيمتها ورجع به عليها)، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا لا يرجع المعتق عليها ويستسعيها الساكت إن كان المعتق معسرا والأصل في هذا أن الإعتاق لا يتجزأ عندهما والكتابة لا تمنع العتق فعتقت كلها للحال وانفسخت الكتابة فالحكم عندهما ما تقدم ومن أصل الإمام أن العتق عنده يتجزأ فجاز إعتاق النصف فلا يؤثر الفساد في نصيب الساكت فلا يضمن العتق قبل العجز لعدم ظهور أثر الإعتاق فيها فإذا عجزت ظهر أثر العتق وكان للساكت الخيارات المذكورة في العتق وهي إن كان موسرا فله أن يعتق أو يستسعى أو الضمان فإذا ضمن كان للمعتق أن يرجع على العبد وإن كان المعتق معسرا كان له خيار العتق أو الاستسعاء على ما بينا في العتق وعلى هذا الخلاف لو دبرها أو استولدها فإذا عجزت ظهر أثرهما فيضمن قيمتها موسرا كان أو معسرا؛ لأن هذا ضمان تملك، وعندهما لا يتجزآن فصارت كلها أم الولد أو مدبرة ويضمن لشريكه نصف قيمتها في الحال موسرا كان أو معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف بين اليسار والإعسار ويضمن العقر في الاستيلاد. قال رحمه الله: تعالى (عبد لهما دبره أحدهما، ثم حرره الآخر موسرا للمدبر أن يضمن المعتق نصف قيمته)، وهذا عند الإمام ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فيقتصر التدبير على نصيب المدبر لكن يفسد به نصيب الآخر فيثبت خيار التضمين أو الإعتاق أو الاستسعاء على ما عرف من مذهبه فإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء فيقتصر على نصيبه؛ لأنه يتجزأ عنده لكن يفسد نصيب الآخر فله أن يضمنه نصيبه وله خيار العتق والاستسعاء فإذا ضمنه يضمنه قيمة نصيبه مدبرا، وقد عرف قيمة المدبر في بابه، وإذا ضمنه لا يتملكه بالضمان؛ لأنه لا يقبل النقل من ملك إلى ملك كما إذا غصب مدبرا وأبق وضمن الغاصب قيمته فإنه لا يتملكه كذا هذا قيد بقوله، ثم حرره الآخر فعلم أنه قن؛ لأنه لو لم يكن قنا قال في المحيط مكاتب بين رجلين دبر أحدهما صار الكل مدبرا له وهو مكاتب له عندهما ويتملكه بالقيمة للشريك موسرا كان أو معسرا؛ لأن التدبير لا يتجزأ عندهما فتدبيره لا في نصيب شريكه فإذا تملكه يتملك بضمان القيمة وضمان القيمة لا يختلف باختلاف اليسار والإعسار واختلفوا أنه يضمن قيمته مكاتبا أو قنا قيل يغرم نصف قيمته قنا؛ لأنه تنفسخ الكتابة في نصيب شريكه؛ لأن فسخ الكتابة لا يتجزأ. وقيل يضمن قيمته مكاتبا؛ لأن الفسخ إنما لا يحتمل التجزؤ لضرورة تضاد الأحكام في محل واحد وذلك لا يوجد هنا فإن الكل قد صار مدبرا من جهة المدبر، وعند أبي حنيفة التدبير يتجزأ فيصير نصفه مدبرا فقد اجتمع في النصف سببا الحرية الكتابة والتدبير وفي النصف سبب واحد وهو الكتابة فإذا أدى عتق فإن مات المدبر عتق، وعندهما في الكل اجتمعا سببا الحرية الكتابة والتدبير؛ لأن من قال تنفسخ يقول بالفسخ في حق التملك لضرورة صحة التدبير فلا يظهر الفسخ في حق حكم آخر وهو العتق بأداء بدل الكتابة ولا يخفى أن هذه المسألة تتكرر مع قوله عبد لموسرين دبر أحدهما وحرر الآخر ومثل هذا لا يليق بهذا المختصر وأيضا محل هذه المسائل باب العتق فتدبره وفي المحيط أنت تكاتب بألف يا فلان ويا فلان فالكتابة والقبول للأول، ولو قال أنت تكاتب يا فلان وفلان بألف فالكتابة والقبول للثاني قال رحمه الله: (وإن حرره أحدهما، ثم دبره الآخر لا يضمن المعتق)؛ لأن المدبر كان له الخيارات السابقة فإذا دبره لم يبق له خيار التضمين وبقي خيار العتق والاستسعاء، وهذا عند الإمام، وعندهما تدبير الثاني باطل؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فيعتق كله فلم يصادف التدبير الملك ويضمن قيمته إن كان موسرا؛ لأن هذا ضمان إعتاق فيختلف بين اليسار والإعسار والله تعالى أعلم. تأخير باب أحكام هذه الأشياء ظاهر التناسب؛ لأن هذه الأشياء متأخرة عن عقد الكتابة فكذا بيان أحكامها قال رحمه الله: (مكاتب عجز عن نجم وله مال سيصل لم يعجزه الحاكم إلى ثلاثة أيام) نظرا للجانبين والثلاثة هي المدة التي ضربت لإمهال الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمدين للقضاء فلا يزاد عليه قال صاحب العناية والمدين بالجر عطفا على كإمهال أقول: هذا بحسب الظاهر غير صحيح قطعا؛ لأنا لا نشك أن المديون معطوف على الخصم والمعنى وكإمهال المديون لأجل القضاء ويقبل قوله في الإمهال بمجرد قوله قال في البدائع فإن عجز عن نجم فإن كان له مال حاضر أو غائب بأن قال لي مال على إنسان أو قال يجيء في القافلة يمهله القاضي إلى الثلاثة أيام إذ انتظار المدة مندوب قال في البدائع ينتظر يومين أو ثلاثة استحسانا والواجب لا يجبر فيه ولا يخفى أن النجم هو الطالع وسمي به الوقت المضروب، ثم سمي به ما يؤدي من الوظيفة قال رحمه الله: (وإلا عجزه وفسخها أو سيده برضاه) يعني إذا لم يكن له مال سيصل في ثلاثة أيام فسخ القاضي الكتابة أو فسخ المولى برضا المكاتب، وهذا عند الإمام ومحمد. وقال أبو يوسف لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان لقول علي رضي الله تعالى عنه إذا توالى على المكاتب نجمان يرد في الرق والأمر فيما لا يدرك بالقياس كالخبر؛ ولأنه عقد إرفاق حتى كان التأجيل فيه سنة ولهما ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه فسخها بعجز المكاتب عن نجم ورده إلى الرق والأثر فيه كالمرفوع وما رواه عن علي لا ينفي الفسخ إذا عجز عن نجم، بل هو سكوت عنه وأفاد بقوله أو سيده برضاه أن الكتابة لازمة من جانب المولى غير لازمة من جانب العبد فلو أراد العبد أن يعجز نفسه ويفسخ الكتابة وأبى المولى ذلك فللعبد ذلك في الرواية الصحيحة والرواية الثانية أنها لازمة من جانب العبد أيضا، فليس له أن يفسخها بغير رضا المولى والمراد بقوله فسخها يعني الحاكم يحكم بعجزه؛ لأنه واجب عند طلب المولى وله ولاية ذلك وإن لم يرض العبد فلا بد من القضاء كالرد بالعيب وظاهر قوله مكاتب عجز عن نجم صادق بما إذا كاتبه وحده أو مع غيره وليس كذلك، بل هو خاص بما إذا كاتبه وحده قال في المحيط، ولو كاتب عبدين كتابة واحدة فعجز أحدهما فرده القاضي في الرق والقاضي لا يعلم بمكاتبة الآخر معه، ثم أدى الآخر الكتابة عتقا جميعا؛ لأنه لم يصح رد الأول في الرق ما دام الآخر قادرا على أداء بدل الكتابة ولهذا لو علم القاضي بكتابة الآخر لا يرد حتى يجتمعا، ولو كاتب الموليان عبدا لهما كتابة واحدة فعجز لم يرد في الرق حتى يجتمع الموليان؛ لأنه إذا غاب أحدهما كان الفسخ في نصيب الآخر متعذرا. ولو مات المولى عن ورثة فلبعضهم الرد في الرق بقضاء وليس له ذلك بغير قضاء؛ لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن الميت فيما له وفيما عليه وفي المحيط كاتب عبديه كتابة واحدة فارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فعجز الحاضر لم يرده القاضي في الرق وإن رده لم يكن ردا للآخر حتى لو رجع مسلما لم يرده إلى مولاه فلو قال في كتابة واحدة لكان أولى ا هـ. قال رحمه الله: (وعاد أحكام الرق) يعني إذا عجز عاد إلى أحكام الرق؛ لأن الكتابة قد انفسخت وفك الحجر كان لأجل عقد الكتابة فلا يبقى بدون العقد ولا يخفى أن المؤلف قال وعاد أحكام ولم يقل عاد إلى الرق؛ لأنه فيه باق قال رحمه الله: (وما في يده لسيده)؛ لأنه ظهر أنه كسب عبده إذا كان موقوفا عليه أو على المولى على تقدير الأداء كان له وعلى تقدير العجز كان للمولى، وقد تحقق العجز فكان لمولاه. قال رحمه الله: (وإن مات وله مال لم تفسخ)، وهذا قول ابن مسعود وبه أخذ علماؤنا، وقال زيد بن ثابت تنفسخ الكتابة بموته وبه أخذ الإمام الشافعي له أن العقد لو بقي لبقي لتحصيل العتق بالأداء. وقد تعذر إثباته فبطل، وهذا؛ لأن العتق لا يخلوا إما أن يثبت العتق قبل الموت أو بعده مقتصرا أو مستندا لا وجه إلى الأول لعدم شرطه وهو الأداء والشيء لا يسبق شرطه ولا إلى الثاني؛ لأن الميت ليس بمحل لنزول العتق عليه؛ لأن العتق إثبات قوة الميت وهو لا يتصور في المالكية بخلاف ما إذا مات المولى؛ لأنه ليس بمعقود عليه، بل عاقد والعقد يبطل بموت المعقود عليه لا بموت العاقد؛ ولأن المولى يصلح أن يكون معتقا بعد الموت كما إذا قال أنت حر بعد موتي ولنا أن الكتابة عقد معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين وهو المولى فلا ينفسخ بموت الآخر وهو العبد كالبيع؛ ولأن قضية المعاوضة المساواة فإذا بقي العقد بعد موت المولى لحاجته إلى الولاء وغيره جاز أن يبقى بعد موت العبد لحاجته إلى الحرية ليتوصل إلى حرية أولاده، ولو مات عاجزا تفسخ الكتابة، ولو قذفه إنسان بعد الأداء يلزمه الحد، وقيل الأداء لا يلزمه الحد؛ لأن العتق ثبت مستندا إلى آخر جزء من أجزاء حياته فلا يظهر الاستناد في حق هذا الحكم قال رحمه الله: (وتؤدى كتابته من ماله) يعني يؤدي من خلفه فيكون أداء الخليفة كأدائه بنفسه فإن قيل الأداء فعل والاستناد يكون في أحكام الشرعية قلنا نعم لكن فعل الثابت مضافا إلى حسي الثبوت وهذه الإضافة شرعية ألا ترى أن من رمى صيدا فمات قبل أن يصيبه، ثم أصابه صار مالكا له حتى يورث عنه والمالك ليس بأهل لكن لما صح السبب والملك يثبت بعد تمام السبب وتمامه بالإضافة إليه وهو ليس أهلا له ثبت الملك من حين الإمكان وهو آخر جزء من أجزاء حياته. فكذا هنا وفي الأصل إذا مات المكاتب عن وفاء وعليه ديون لأجنبي سوى بدل الكتابة وله مال يوفى وله وصايا يبدأ من تركته بدين الأجنبي، ثم بدل الكتابة وتبطل وصاياه وما بقي يقسم بين ورثته وإن لم يبق بعد قضاء الدين شيء يبدأ ببدل الكتابة ولا يبدأ بالدين وإن لم يترك مالا إلا دينا على الناس فاستسعى المولود في الكتابة فعجز يرد في الرق فإذا خرج الدين بعد ذلك فذلك للمولى ا هـ. قال رحمه الله: (وحكم بعتقه في آخر حياته) بأن يقام الترك الموجود منه في آخر حياته مقام التخلية بين المال والمولى وهو الأداء المستحق عليه وما بقي فهو لورثته قال في نوادر بشر عن الثاني مات مكاتب عن وفاء وله أولاد من أمته فمات بعض قبل الأداء فأدى ما عليه وبقي مال فهو ميراث ولا يرث الابن الميت وما تركه الابن الميت فهو لأمه وإخوته، ولو كان الولد معه في عقد الكتابة، ثم مات بعد أبيه، ثم أديت الكتابة لم يرث أباه وفي نوادر ابن سماعة عن محمد مكاتب مات وترك ابنا ولدا له في الكتابة وترك ألفي درهم دينا على الناس فاكتسب الابن ألف درهم وأداها في كتابة أبيه، ثم خرج دين الأب وله أخ فإن الألفين ميراث بينهما ولا يرجع الابن بما أدى في الألفين وإن لم يؤد الابن ذلك من ماله فله أن يؤدي ذلك من مال الأب وفي المنتقى مكاتب مات وله دين على الناس وله مولود ولد في الكتابة يسعى في الكتابة على نجومها وله ابنان حران أيضا، ثم مات أحد الابنين الحرين، ثم خرج ما للمكاتب على الناس فأديت من ذلك بدل الكتابة فالفاضل بين الولد الحر والمولود في الكتابة ويرث الابن الحر أخاه الذي مات بعد موت الأب والابن المولود في الكتابة لا يرث من أخيه الذي مات بعد موت الأب. وفي التتارخانية مات الرجل عن مكاتبه وله ورثة ذكور وإناث، ثم مات المكاتب عن وفاء يؤدي من ذلك بدل الكتابة ويكون بين الورثة الذكور والإناث وما فضل بعد ذلك وليس للمكاتب وارث فهو للذكور من ورثة المولى دون الإناث وفي المحيط مات المكاتب عن وفاء يبدأ بالدين، ثم ببدل الجناية، ثم ببدل الكتابة، ثم بمهر امرأة تزوجها بغير إذن مولاه، ثم الباقي ميراث بين أولاده الذين عتقوا بعتقه والذين كانوا أحرارا قبله؛ لأن الديون متى اجتمعت يبدأ بالأقوى ودين المداينة أقوى من دين الجناية؛ لأنه عوض من كل وجه ودين الجناية عوض من وجه؛ لأن مبدله ليس بمال ولهذا لا يملك قبل القبض ودين الجناية أقوى من بدل الكتابة؛ لأنه لا يسقط بالعجز ودين الكتابة أقوى من دين المهر؛ لأنه وجب بإذن السيد والمهر وجب بعقد محجور عليه وإن مات عن وفاء دين المولى يبدأ بدين المولى، ثم بالكتابة والباقي ميراث فإن لم يوف بالدين والكتابة بدأ بالكتابة؛ لأنه إذا بدأ بها يموت حرا والولد المولود في الكتابة والولد المكاتب معه كتابة واحدة سيأتي في الإرث؛ لأنهما يعتقان معه في آخر جزء من أجزاء حياته فإن كان الولد منفردا بالكتابة فأدى بعد موت الأب بعد قضاء مكاتبة الأب أو قبله لم يرث؛ لأنه كان عبدا يوم مات الأب فلم يعتق بعتقه وإنما عتق بعد موت أبيه كاتب عبدا مشتركا بغير إذن شريكه فمات العبد وترك كسبا فقد مات عاجزا عند الإمام؛ لأن نصفه يصير مكاتبا فلا سبيل لواحد منهما على كسبه، وعندهما كله مكاتب ويكون كل الكسب ملكا له فيؤدي من كسبه ويضمن المكاتب نصف قيمته لشريكه ا هـ. قال رحمه الله: (وإن ترك ولدا ولد في كتابته ولا وفاء سعى كأبيه على نجومه فإن أدى حكم بعتقه وعتق أبيه قبل موته) وظاهر إطلاق المتن أنه لا فرق بين ما إذا ولد في كتابته من أمته أو أمة الغير وظاهر العلة تقييده بالأول؛ لأن الولد دخل في كتابته وكسبه له فيخلفه في الأداء وصار أداؤه كأداء أبيه فجعل كأنه ترك وفاء مع الولد والظاهر من قوله يسعى أن الولد المولود فيها لا بد أن يكون قادرا على السعي وليس كذلك قال في الكافي لو كاتب أمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام فولدت في مدة الخيار وماتت وبقي الولد يبقى خياره وعقد الكتابة عند الإمام والثاني وله أن يجيزها، وإذا أجاز يسعى الولد على نجوم الأم، وإذا أدى عتقت الأم في آخر جزء من أجزاء حياتها وعتق ولدها، وهذا استحسان، وعند الثالث تبطل الكتابة ولا يصح إجازة المولى وهو القياس وفي المحيط، ولو ترك أم ولده معها ولد لا تباع واستسعت في الكتابة على نجوم المكاتب وإن لم يكن معها ولد باعها عند الإمام؛ لأن حرية أم الولد لأجل الولد فإذا لم يكن ولد تباع، وعندهما لا تباع وتؤدي بدل الكتابة بعد موت المكاتب كما لو كان معها ولد. ولو حل على أولاده المولودين في الكتابة نجم ولم يؤدوا أو بعضهم غائب لم يرد الحاضر في الرق حتى يرجع الغائب؛ لأن الفسخ على الحاضر فسخ على الغائب، وقد تعذر في حق الغائب فتعذر في حق الحاضر أيضا وفي الولوالجية، وإذا مات المكاتب عن ولد مولود في الكتابة وولد مشترى معها فعندهما يسعيان في نجوم الأم فما اتصل في يد كل واحد منهما بعد موت الأم فهو له خاصة، وعند الإمام المولود يسعى على نجوم الأم ويؤدي بدل الكتابة وهو المطالب ويسعى الولد المشترى ويأخذ من كسبه ويؤجره بأمر القاضي وما فضل يكون ميراثا عن الأم فيكون بينهما وفي الأصل الولد المولود في الكتابة يسعى في ديون الأب. قال رحمه الله: (ولو ترك ولدا مشترى عجل البدل حالا أو رد رقيقا) وظاهر إطلاق المتن أنه لا فرق في المشترى بين أن يكون ولد بعد الكتابة أو قبلها وسيأتي البيان، وهذا عند الإمام، وعندهما يسعى على نجومه كالمولود في الكتابة؛ لأنه صار بمنزلته حتى جاز للمولى إعتاقه كما يجوز إعتاق المكاتب بنفسه بخلاف سائر أكساب المكاتب فإنه لا يملك إعتاقه وللإمام أن الأجل يثبت بالشرط في العقد فيثبت في حق من دخل تحت الكتابة والمشترى لم يدخل تحت العقد؛ لأنه لم يضف إليه العقد ولم يسر حكمه إليه لكونه منفصلا وقت الكتابة وأورد عليه أنه قد مر في أول فصل المكاتب أن المكاتب إذا اشترى أباه أو ابنه دخل في كتابته وأيضا لو لم يسر حكمه إليه لما عتق عنده بأداء بدل الكتابة حالا وأجيب أن المراد بدخول الولد المشترى في كتابة أبيه ليس لسراية حكم عقد الكتابة الذي جرى بين المكاتب ومولاه إليه، بل يجعل المكاتب مكاتبا لولده باشترائه إياه تحقيقا للصلة وبأن عتق الولد المشترى عنده بأداء بدل الكتابة حالا ليس لأجل السراية أيضا، بل لضرورة المكاتب إذ ذاك بمنزلة من مات عن وفاء، وقد أفصح عنه في الكافي حيث قال وكان ينبغي أن يباع بعد موته لفوات المتبوع، ولكن إذا عجل وأعطى من ساعته صار كأنه مات عن وفاء بخلاف المولود في الكتابة؛ لأنه من مائه بعد الكتابة. قال رحمه الله: (وإن اشترى ابنه فمات وترك وفاء ورثه ابنه)؛ لأنه لما أدى بدل الكتابة حكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته فيتبعه ولده في ذلك فيكونان حرين فظهر أنه مات حر عن ولد حر، وقد بيناه قال رحمه الله: (وكذا لو كان هو وابنه مكاتبين كتابة واحدة)؛ لأنهما صارا كشخص واحد فإذا حكم بعتق أحدهما في وقت يعتق الآخر في ذلك الوقت ضرورة اتحاد العقد على ما بيناه فيصير حرا مات عن ابن حر، ولو مات المكاتب وترك ثلاثة أولاد حر ومولود في الكتابة ومكاتب معه بعقد واحد ووصيا ترثه أولاده لما ذكرناه وبينا ويملك الوصي بيع العروض دون العقار والدراهم والدنانير؛ لأن بيع العروض من باب الحفظ دون العقار والدراهم والدنانير، ولو مات الابن قبل أداء الكتابة لا يرثانه؛ لأن إرثه ليس من حقوق كتابة أبيه فلا يظهر الاستيلاد في حقه. قال رحمه الله: (وإن ترك ولدا من حرة ودينا فيه وفاء بكتابته فجنى الولد فقضى به على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب)؛ لأن القضاء بموجب الجناية على موالي الأم؛ لأن المكاتب وإن ترك مالا وهو الدين لا يحكم بعتقه إلا عند أداء بدل الكتابة فكانت الجناية عليهم فإذا قضى به القاضي عليهم كان القضاء تقريرا للكتابة فتبقى الكتابة على حالها فإذا أدى بعد ذلك بدل الكتابة عتق المكاتب وظهر للابن ولاء في جانب الأب فينجر إليه ولاؤه؛ ولأنه فرع ظهور العتق وكانوا مضطرين فيما عقلوا فلهم الرجوع بذلك على موالي الأب ولا يرجعون بذلك على ولي الجناية. قال رحمه الله: (وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه فقضى به لموالي الأم فهو قضاء بالعجز)؛ لأنه إذا كانت الخصومة في نفس الولاء بأن مات الولد بعد موت الأب قبل خروج الدين وقضى بميراثه لمولى الأم بطلت الكتابة؛ لأن القاضي يقضي بكون الولاء لمولى الأم؛ لأن الخصومة وقعت في الولاء ومن ضرورة القضاء فسخ الكتابة؛ لأن الولاء من جانب الأم لا يثبت إلا إذا تعذر إثباته من جانب الأب وإنما يتعذر بفسخ الكتابة؛ لأنها لو كانت باقية يمكن أن يثبت من جانبه بالأداء، ولو خرج الدين بعد ذلك يكون لمولى المكاتب ميراثا عن عبده؛ لأن صيانة القضاء عن الانتقاض واجب بالإجماع وفسخ الكتابة بعد موت المكاتب مختلف فيه فكان فسخ الكتابة أولى من نقض القضاء؛ لأن القضاء بالفعل لا ينفسخ وبالقضاء ظهر العجز مطلقا حتى لو ظهر مال مقدار البدل وأخذه المولى لا يكون بدلا عن الكتابة بخلاف ما قبل القضاء قال في المحيط. وإذا مات المكاتب عاجزا وترك ولدا حرا فظهر للمكاتب وديعة أديت منها كتابته ولا يتحول ولاء الولد إلى مولى الأب؛ لأن المودع أقر بشيئين أقر بأنه ملك المكاتب وأقر أن ولاءه تحول فإقراره على نفسه صحيح فيصدق فيه وإقراره بتحول الولاء إلى غيره لا يصدق فيه ألا ترى أن المولى لو أقر أنه استوفى منه بدل الكتابة قبل موته لا يصدق في حق تحول الولاء إلى موالي الأب فكذا هنا، وأما إذا مات لا عن وفاء ولا ولد فاختلفوا في بقاء الكتابة قال الإسكافي تنفسخ حتى لو تطوع له إنسان بأداء بدل الكتابة عنه لا تقبل منه، وقال أبو الليث لا تنفسخ ما لم يقض القاضي بعجزه حتى لو تطوع إنسان عنه قبل القضاء بالفسخ جاز ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته. قال رحمه الله: (وما أدى المكاتب من الصدقات وعجز طاب لسيده)؛ لأن الملك يتبدل وتبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حق بريرة «هي لها صدقة ولنا هدية» حين أهدي إليها وكانت مكاتبة فإن قيل إن ملك الرقبة كان للمولى فكيف يتحقق تبدل الملك قلنا ملك الرقبة مغلوبا في مقابلة ملك اليد حتى لو كان للمكاتب أن يمنع المولى من التصرف في ملكه ولم يكن للمولى أن يمنع المكاتب من التصرف وبالعجز ينعكس الحال وليس هذا إلا تبدل الملك للمولى ولئن كان فلا يسلم مثله بمنزلة تبدل العين فصار كالفقير يموت عن صدقة أخذها يطيب ذلك لوارثه الغني لما ذكرنا. وكذا إذا استغنى الفقير يطيب له ما أخذ من الزكاة، وكذا ابن السبيل إذا وصل إلى بلده وفي يده مال من الصدقة؛ لأن المحرم عليه ابتداء الأخذ لما فيه من الذل فلا يرخص من غير ضرورة، ولو أباح الفقير للغني أو الهاشمي عين ما أخذ من الزكاة لم يحل له؛ لأن الملك لم يتبدل ولك أن تقول المحرم ابتداء الأخذ إلى آخره فعلى هذا لو أباح الفقير للغني أو الهاشمي ينبغي أن يطيب له؛ لأنه لم يوجد منهما ابتداء الفعل المحرم المقترن بالإذلال قلنا إن لم يوجد منهما الأخذ من يد المتصدق وجد منهما الأخذ من يد الفقير فقد تحقق في حقهما سبب الخبث ولك أن تقول ليس المحرم نفس الأخذ فقط، بل نفس الأخذ المقرون بالإذلال فينبغي أن لا يكون خبيثا ونظيره المشتري شراء فاسدا لا يطيب بالإباحة، ولو ملكه يطيب، ولو عجز المكاتب قبل الأداء إلى المولى يطيب للمولى عند محمد؛ لأن المولى يملك ما في يده ملكا مبتدأ حتى تنتقض إجارته، وعند أبي يوسف لا يطيب له؛ لأنه إذا عجز لا يملك المولى إكسابه ملكا مبتدأ وإنما له فيه نوع ملك فيتأكد بالعجز ولم يتجدد له ملك ولهذا لا ينتقض إجارته بالعجز كما في العبد المأذون إذا حجر عليه الصحيح أنه يطيب له بالإجماع لما ذكرنا أن المحرم ابتداء الأخذ ولم يوجد من المولى الأخذ ا هـ. قال رحمه الله: (وإن جنى عبد فكاتبه سيده جاهلا بها فعجز دفع أو فدى) يعني المولى بالخيار إن شاء دفع العبد وإن شاء فداه بالأرش؛ لأنه لو كاتبه وهو لا يعلم بالجناية لزمه قيمته؛ لأنه لم يصر مختارا للفداء بالمكاتبة من غير علم، وقد امتنع الدفع بفعله من غير أن يصير مختارا للفداء فيجب عليه الأقل من قيمته ومن الأرش كما إذا أعتقه أو دبره أو استولد الأمة أو باعه بعدما جنى من غير علم بها إلا أن المانع من الدفع على شرف الزوال فلم ينتقل حق ولي الجناية من العبد إلى القيمة فإذا عجز زال المانع فيتخير بين الدفع والفداء على القاعدة ا هـ. قال رحمه الله: (وكذا إن جنى مكاتب ولم يقض به فعجز) حكمه كالأول؛ لأنه لما عجز صار قنا وجناية القن يخير فيها المولى بين الدفع والفداء على ما عرف وقبل أن يعجز يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأن دفعه متعذر وهو أحق بكسبه من المولى وموجب الجناية عند تعذر الدفع يجب على من يكون له الكسب ألا ترى أن جناية المدبر وأم الولد توجب على المولى الأقل من قيمته ومن الأرش لما أنه أحق بكسبهما، ولو جنى جناية بعد الحكم عليه بالأولى فهي كالأولى، وإذا اجتمعت الجنايات في وقت قبل القضاء لم يلزمه إلا قيمة واحدة كذا في المبسوط. وفيه، وإذا جنى العبد المكاتب، ثم عتق فهو على خياره وإن عجز فالخيار للمولى وإن كان العبد وامرأته مكاتبين كتابة واحدة فولدت فقتله المولى وقيمته أكثر من الكتابة فهو على المولى في ثلاث سنين أو قتل المكاتب فالمال يجب في ثلاث سنين وإن كانت الكتابة قد حلت قال رحمه الله: (فإن قضى به عليه في كتابته فعجز فهو دين يباع فيه) يعني إذا قضى بموجب الجناية على المكاتب في حال كتابته وهو الأقل من قيمته ومن الأرش فهو دين عليه يباع فيه؛ لأن الحق انتقل من الرقبة إلى القيمة بالقضاء، وهذا عند علمائنا الثلاثة، وقال زفر تجب عليه قيمته ولا يباع وهو قول أبي يوسف أولا؛ لأن المانع من الدفع وقت الجناية موجود وهو الكتابة فلا تتغير كجناية المدبر وأم الولد ولنا أن الأصل في جناية العبد الدفع وإنما يصار إلى القيمة عند تعذر الدفع والمانع هنا متردد لاحتمال انفساخ الكتابة فلا يثبت الانتقال عن الموجب الأصلي إلا بالقضاء والصلح عن الرضا وبالموت عن الوفاء وهو نظير المغصوب إذا أبق لا يجب عليه القيمة إلا بالقضاء حتى لو رجع قبل القضاء يكون لمولاه وإن رجع بعد القضاء يكون للغاصب، وكذا المبيع إذا أبق قبل القبض لا يبطل البيع إلا بالقضاء، وكذا إذا قتل؛ لأن القيمة تقوم مقامه بخلاف المدبر وأم الولد؛ لأنهما لا يقبلان الفسخ. قال رحمه الله: (وإن مات السيد لم تنفسخ الكتابة)؛ لأنها حق العبد فلا تبطل بموت السيد كالتدبير وأم الولد والدين وكالأجل فيه إذا مات الطالب؛ ولأن الكتابة لا تقبل الانتقال إلى ملك الوارث فتبقى على حكم ملك المولى قال رحمه الله: (ويؤدي المال إلى الورثة على نجومه)؛ لأن النجوم حقه؛ لأنه أجل وهو حق المطلوب فلا يبطل بموت الطالب هذا إذا كاتبه وهو صحيح، ولو كاتبه وهو مريض لا يصح تأجيله إلا من الثلث، وقد ذكرناه والوارث ينوب مناب المورث ويقوم مقامه فيكون قبضه بمنزلة قبض المورث ويقع على ملكه، ثم يصير الوارث قابضا عن نفسه فيملكه بالإرث كما في الدين وفي المحيط. ولو أدى المكاتب بدل الكتابة إلى الورثة دون الوصي وعلى الميت دين يحيط به أو لا يحيط به لا يعتق؛ لأن حق القبض للموصي لا للوارث؛ لأن الوارث وإن ملك ما قبض إذا لم يكن الدين مستغرقا وللوصي والغرماء أن يقبض ملكهم بقدر الدين فلم يدفع الحق له لمن له حق القبض فلا يبرأ عن بدل الكتابة كما لو دفع إلى أجنبي وإن أدى إلى الوصي عتق وإن لم يكن في التركة دين؛ لأنه قائم مقام الميت وإن لم يكن على الميت دين ودفع إلى الورثة وتقاسموا جاز؛ لأن لهم حق القبض وإن أدى إلى بعضهم لم يعتق ما لم يصل إلى الكل بخلاف الدفع إلى الوصي يوجب العتق وصل إلى الورثة حقهم أم لا؛ لأنه ثابت عن الميت بالتفويض، ولو أدى المكاتب إلى الغرماء وعليه دين محيط جاز وعتق؛ لأنه دفع الحق إلى من له حق القبض، ولو أوصى المولى لإنسان بما على المكاتب فدفع المكاتب إليه يعتق؛ لأنه دفع الحق إلى مستحقه. قال رحمه الله: (وإن حرروه عتق مجانا) يعني لو أعتقه جميع الورثة عتق والقياس أن لا يعتق؛ لأنهم لم يملكوه وجه الاستحسان أن يجعل إبراء عن بدل الكتابة؛ لأنه حقهم، وقد جرى فيه الإرث فيكون الإعتاق منهم إبراء وإقرارا بالاستيفاء فلم يبق عليه دين فيعتق لبراءة ذمته كما إذا أبرأه المولى عن بدل الكتابة ويشترط أن يعتقوه في مجلس واحد حتى إذا أعتقه بعضهم في مجلس لم يعتق، وقيل يعتق إذا أعتقه الباقون ما لم يرجع الأول وهو رواية هشام عن محمد. قال رحمه الله: (وإن حرره بعض لم ينفذ عتقه) يعني لو أعتقه بعض الورثة لا يعتق منه شيء؛ لأنه لم يملكه ولا عتق فيما لم يملك ولا يملك أن يجعل إبراء واستيفاء؛ لأن إبراء البعض واستيفاءه لا يوجب عتقه لتعذر ثبوت العتق من جهته ولا يبرأ من الدين أيضا؛ لأن البراءة لم تثبت الاقتضاء فإذا بطل المقتضي بطل المقتضى، ولو قبض واحد نصيب الكل بغير أمرهم لا يعتق إلا إذا أجازوا قبضه أو قبض بأمرهم وفي المحيط لو وهب أحدهم للمكاتب نصيبه في رقبته جاز ولا يعتق؛ لأنه لو أدى نصيبه لا يعتق فكذا إذا أبرأه عنه بالهبة فإن عجز رد رقيقا فنصيب الواهب في رقبته ثابت؛ لأنه عاد قنا بانفساخ الكتابة فصار كله ميراثا لهم من المولى ألا ترى أنه إذا وهبه المولى بعض المكاتبة، ثم عجز صار كله رقيقا للمولى فكذا هنا والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. أورد كتاب الولاء عقب المكاتب؛ لأن الولاء من آثار المكاتب لزوال ملك الرقبة عند أداء بدل الكتابة وهو وإن كان من آثار العتق إلا أن موجبات ترتيب الكتب السابقة ساقت المكاتب إلى هذا الموضع فوجب تأخير كتاب الولاء عن كتاب المكاتب لئلا يتقدم الأثر على المؤثر والكلام فيه من وجوه الأول في اشتقاقه والثاني في بيان دليله والثالث في سببه والرابع في معناه لغة والخامس في معناه عند الفقهاء والسادس في ركنه والسابع في شرطه والثامن في حكمه أما الأول فهو مشتق من الولاء وهو القرب وهو حصول الثاني عقيب الأول من غير فصل أو من الموالاة يقال ولي الشيء إذا حصل بعده من غير فصل وهو مفاعلة من الولاية بالفتح وهو النصرة والمحبة ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» وقوله عليه الصلاة والسلام: «الولاء لحمة كلحمة النسب» وسببه الإعتاق؛ لأن المولى أنعم على عبده بالإعتاق. قال الشارح والأصح أن سببه العتق على ملكه؛ لأنه يضاف إليه والإضافة دليل الاختصاص؛ ولأن من ورث قريبه عتق عليه وولاؤه له ولا إعتاق من جهته، وأما معناه لغة فهو عبارة عن المعاونة والنصرة أو عبارة عن المواصلة والمصادقة وسمي الولي وليا لتناصره وتعاونه لحبيبه وصديقه، وعند الفقهاء عبارة عن التناصر سواء كان بالإعتاق أو بعقد الموالاة ولهذا قال في المبسوط والمطلوب بكل منهما التناصر كذا في النهاية وأورد عليه بأن المذكور في المبسوط يدل على كون التناصر غيرهما لا أنفسهما إذ لا يخفى على الفطن أن المطلوب بالشيء لا يكون نفسه، بل يكون أمرا مغايرا له قال في العناية وهو في عرف الفقهاء عبارة عن تناصر يوجب الإرث والعقل ا هـ. وأما ركنه فقوله أعتقه أو ملك القريب أو عقدت الموالاة ويشترط كون المعتق أهلا للولاء وهو أن يكون أهلا للإرث وهو كونه حرا مسلما وأولاده يكونوا أهلا بالعصوبة لا بالقرابة وحكمه أن يعقل الجناية حال حياة معتقه والإرث منه بعد مماته قال رحمه الله: (الولاء لمن أعتق، ولو بتدبير وكتابة واستيلاد وملك قريب) لما روينا وهو بعمومه يتناول الكل؛ لأن الرقيق هالك حكما ألا ترى أنه لا يثبت في حقه كثير من الأحكام التي تختص بالأحياء نحو القضاء والشهادة والملك في الأموال وكثير من العبادات فكان الإعتاق إحياء له لثبوت أحكام الأحياء به كالإحياء بالإيلاد فيرث به كما يرث الأب ولده ولهذا سمي ولاء نعمة لقوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} بالهدى وأنعمت عليه بالإعتاق والمرأة في هذا كالرجل وقوله الولاء لمن أعتق صادق بما إذا أعتق في دار الإسلام أو في دار الحرب وخلى سبيله في دار الحرب أو لم يخل وليس كذلك؛ لأنه إذا أعتق في دار الحرب وخلاه لم يكن له عليه ولاء حتى إذا خرجا إلينا مسلمين لا يرثه ولم يكن له عليه ولاء، وعند أبي يوسف يرثه ويكون عليه له الولاء فلو قال مسلما، ولو رقيقا كافرا في دارنا لكان أحسن. ولو أدى المكاتب بعد موت المولى فعتق فولاؤه للمولى فيكون لعصبته الذكور وقوله لمن أعتق يعني، ولو حكما فدخل العبد الموصى بعتقه وبشرائه وأعتقه الوصي بعد موته فولاؤه لعصبة المولى، وكذا مدبروه وأمهات أولاده بعد موته ويكون ولاؤهم له وفي شرح الطحاوي إذا أمر غيره بإعتاق عبد فأعتق في حال حياته أو بعد وفاته يكون عن الآمر والولاء له، ولو قال لغيره أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتق فالعتق يكون عن الآمر استحسانا والولاء له، ولو قال أعتق عبدك عني ولم يذكر البدل فأعتق عتق عن المأمور والولاء له في قولهما وفي قول أبي يوسف عن الآمر والولاء له، ولو قال أعتق عبدك على ألف درهم ولم يقل عني فأعتق فإنه يتوقف على قبول العبد فإن قبل في المجلس الذي علم به لزمه المال وإلا فلا والولاء يورث ا هـ. وشمل قوله لمن أعتق الذمي؛ لأن الذمي أهل للولاء كالمسلم وفي المحيط حربي أعتق عبده فلا يخلو إما أن أعتقه في دار الحرب أو في دار الإسلام فإن أعتقه في دار الحرب وكان العبد مسلما فولاؤه له؛ لأنه لا يسترق وإن كان كافرا فلا ولاء له عليه؛ لأن الولاء نتيجة العتق وإعتاق الحربي عبده المسلم يصح بالإجماع وعبده الكافر لا يصح عند الإمام ومحمد إذا لم يخل سبيله وإن خلى سبيله صح العتق لكنه لم يتم العتق في حق زوال الرق وإن صح في حق إزالة الملك؛ لأن كون الحربي في داره سبب لرقه فإذا أعتق الحربي عبده الكافر في دار الإسلام صح عتقه وكل معتق جرى عليه الرق بعد العتق انتقض به ولاؤه. حربي أعتق عبدا في دار الحرب، ثم خرجا مسلمين للعبد أن يوالي من شاء؛ لأن العتق لم يصح مسلم مستأمن في دار الحرب أو أسلم هناك أعتق عبدا اشتراه هناك، ثم أسلم عبده لم يكن مولاه قياسا وله أن يوالي من شاء عندهما، وقال أبو يوسف أجعله مولاه استحسانا حربي اشترى عبدا في دار الإسلام فأعتقه، ثم رجع فاسترق فاشتراه العبد فأعتقه فولاء الأول للآخر وولاء الآخر للأول. قال رحمه الله: (وشرط السائبة لغو) يعني لو أعتق المولى عبده وشرط أن لا يرثه كان الشرط لغوا لكونه مخالفا لحكم الشرع فيرثه كما في النسب إذا شرط أن لا يرثه. قال رحمه الله: (ولو أعتق حاملا من زوجها القن لا ينتقل ولاء الحمل عن موالي الأم أبدا)؛ لأن الجنين عتق بعتق أمه وعتق أمه مقصود فكذا هو يعتق مقصودا؛ لأنه هو جزء الأم والمولى أوقع الإعتاق على جميع أجزائها وأورد أن هذا مخالف لما ذكر في كتاب الإعتاق فإنهم هناك قالوا وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها إذ هو متصل بها فأوردوا أنه يعتق تبعا لا قصدا، وهذا مناف لما ذكروه هنا والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «الولاء لمن أعتق» وإنما يعرف كون الحمل موجودا عند العتق بأن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت العتق، وكذا إذا ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر منه وبينهما أقل من ستة أشهر؛ لأنا تيقنا أن الأول كان موجودا عند العتق فإذا تناول الإعتاق الأول تناول الآخر ضرورة وصار معتقا لهما والولاء لا ينتقل من المعتق وقوله من زوجها القن مثال، وكذا لو كان زوجها مكاتبا أو مدبرا وقوله من زوجها صادق بحال قيام النكاح أو بعده وما بعد النكاح لا يتأتى فيه هذا التفصيل فكان عليه أن يقول، ولو أعتق حاملا من زوجها القن حال قيامه وجاءت به لأقل من ستة أشهر. قال رحمه الله: (فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لولي الأم)؛ لأن الولد جزؤها فيتبعها في الصفات الشرعية ألا ترى أنه يتبعها في الحرية وغيرها فكذا الولاء عند تعذر جعله تبعا للأب لرقه وفي التتارخانية ولدت فقالت المرأة ولدت بعد عتقي بخمسة أشهر وولاؤه لموالي الأم، وقال الزوج بعد عتقك بستة أشهر فولاؤه لموالي فالقول قول الزوج ا هـ. قال رحمه الله: (فإن أعتق العبد) وهو الأب (جر ولاء ابنه لمواليه)؛ لأن موالي الأم لم يعتق الولد هاهنا لحدوثه بعد إعتاقها وإنما نسب إليه تبعا للإمام لتعذر نسبته إلى الأب فإذا أعتق الأب أمكن نسبته إليه فجعله تبعا له أولى من جعله تبعا للأم؛ لأن الولاء كالنسب قال عليه الصلاة والسلام: «الولاء لحمة كلحمة النسب» والنسب إلى الأباء فكذا الولاء ينتقل إلى موالي الأب إذا زال المانع كولد الملاعنة يثبت نسبه من قوم الأم فإذا أكذب نفسه ينتقل إلى الأب لزوال المانع وفي الكافي قلتم الولاء كالنسب والنسب لا يقبل الفسخ بعد ثبوته فكذا الولاء لا يقبل الفسخ بعد ثبوته قلنا لا ينفسخ، ولكن حدث ولاء أولى منه فقدم عليه كما تقول في الأخ إنه عصبة فإذا حدث من هو أولى منه كالابن لا تبطل عصوبته، ولكن يقدم عليه أورد هل إذا قلتم لم ينفسخ، ولكن قدم عليه لزم أن يرث مولى الأم عند انقطاع مولى الأب بعد انتقال الولاء عن مواليها إلى مواليه ولم يرو عن أحد أنهم يرثون بعد انتقال الولاء عنهم هذا إذا لم تكن معتدة فإن كانت معتدة فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت العتق ولأقل من سنتين من وقت الفراق لا ينتقل ولاؤه إلى موالي الأب؛ لأنه كان موجودا عند إعتاق الأم فصادقه الإعتاق ضرورة فلا ينتقل إلى موالي الأب وفي التتارخانية بخلاف ما إذا أعتق الأم حال قيام النكاح، ثم جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وباقي المسألة بحالها كان ولاء الولد لموالي الأم، وكذا إذا كانت عن طلاق رجعي، وقد جاءت بالولد لستة أشهر كان ولاء هذا الولد لموالي الأم. وهذا الذي ذكرناه إذا لم تقر بانقضاء العدة فإن أقرت بانقضاء العدة، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار ولتمام السنتين منذ طلقها فإن ولاء الولد لموالي الأم وإن جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها فإن ولاء الولد لمولى الأب وفي الجامع الصغير إذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم؛ لأنهم عاقلة لأمهم ولهم فإن عتق الأب بعد ذلك جر ولاء الأولاد على نفسه ولا يرجعون على عاقلة الأب بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم، ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون على عاقلة الأب والفرق أن النسب من وقت العلوق لا من وقت الإكذاب وبالإكذاب تبين أن عقله كان على قوم الأب، وقد أجبر قوم الأم على الدفع فيرجعون عليهم وفي المولى حين عقل قوم الأم كان ثابتا لهم وإنما ثبت لقوم الأب مقصورا على زمان الإعتاق فلا يرجعون به قال أسلمت كافرة على يد رجل فأعتقت عبدا فارتدت ولحقت بدار الحرب فسبى أبوها فاشتراه رجل فأعتقه لم يجر ولاؤه ولاءها؛ لأنها بمنزلة الميت، ولو لم ترتد والمسألة بحالها فولاء المرأة لمعتق العبد رجل مسلم أعتق مسلما فرجعا عن الإسلام فامتنعوا فأسلم العبد دون المولى فولاء العبد لمولاه على حاله وإن كان له عشرة من المسلمين فعقله عليهم وميراثه لهم وإن لم يكن فميراثه لبيت المال وعقله عليه، وقيل عقله على نفسه. قال رحمه الله: (عجمي تزوج معتقة فولدت فولاء ولدها لمواليها وإن كان له ولاء الموالاة) يعني وإن كان للأب ولاء الموالاة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف حكم الأب حكم أبيه في الوجهين وقوله عجمي مثال بالنسبة إلى المولى وفي المحيط معتقة تزوجت برجل فلا يخلو من خمسة أوجه إما أن يكون عبدا أو مكاتبا أو معتقا أو موليا لموالاة أو عربيا أو عجميا فإن كان عبدا أو مكاتبا فولاء ولدها لمولى الأم؛ لأنه تعذر إثبات الولاء من الأب لفقد الأهلية وألحق ولاؤه بالأم كنسب ولد الملاعنة وإن أعتق الأب جر ولاء ولده إلى مواليه؛ لأنه صار أهلا للولاء وزال المانع وإن كان معتقا فولاء الولد لمولى الأب؛ لأنه استوى الجانبان وترجح جانب الأبوة وإن كان مولى الموالاة فولدت منه فهو مولى لموالي الأم عندهما. وقال أبو يوسف الولد مولى لموالي الأب لهما أن ولاء العتق أقوى من موالي الموالاة؛ لأن ولاء العتق لا يحتمل الفسخ وولاء الموالاة يحتمل الفسخ فرجح الآكد الأقوى على الأضعف وإن كان أعجميا وهي مسألة المتن قال إن كان العجمي له أب في الإسلام فعند أبي يوسف ولاء الولد لموالي الأب واختلف المشايخ على قولهما قيل ولاؤه لموالي الأب عندهم جميعا، وقيل لمولى الأم وهو الأصح ولا يجر الجد الولاء ا هـ. قيد بكونها معتقة؛ لأن العجمي لو تزوج بعربية فولدت له ولدا فإنه ينسب إلى قوم أبيه دون أمه وقيدنا بكون الزوج عجميا فإن العربي إذا تزوج معتقة فإن ولده منها ينسب إلى قومه دونها وقيد القدوري بمعتقة العرب وأطلق المصنف وهو الصواب؛ لأن ولاء العتق قوي معتبر شرعا فلا يختلف بين أن يكون من العرب أو من العجم، ولو كانا معتقين أو عجميين أو عربيين فالولد تابعا للأب بالإجماع وثمرة الخلاف على ما ذكر المصنف تظهر فيما إذا مات الولد وترك عمته أو غيرها من ذوي الأرحام ومعتق أمه أو عصبة معتقها كان المال لمعتق أمه أو عصبتها عندهما، وعند أبي يوسف يكون لذوي الأرحام؛ لأن حكمه حكم أبيه وفي شرح الطحاوي امرأة من بني همدان تزوجت برجل من بني أسد فولد منها فأعتقت عبدا فالولاء يثبت منها وولدها يكون تبعا للأب من بني أسد فإذا ماتت، ثم مات المعتق فميراثه لابن المعتقة وهو من بني أسد وإن جنى جناية تكون على عاقلتها من بني همدان فالميراث لبني أسد والعقل على بني همدان ويجوز مثل هذا أن يكون الضمان على الغير والميراث للغير ألا ترى أن رجلين مثل الخال وابن العم فنفقته على الخال وميراثه لابن العم. ا هـ. وإذا علم أن العجمي الذي له أب في الإسلام ولاؤه لموالي الأم علم بطريق الأولى إذا لم يكن له أب بالأولى. قال رحمه الله: تعالى (والمعتق مقدم على ذوي الأرحام ومؤخر عن العصبة النسبية)، وكذا هو مقدم على الرد على ذوي السهام وهو آخر العصبات وهو قول علي رضي الله عنه وبه أخذ علماء الأمصار وكان ابن مسعود يقول بأنه مؤخر عن ذوي الأرحام بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}، وقال عليه الصلاة والسلام: «للمعتق في معتقه وإن مات ولم يدع وارثا كنت أنت عصبته» ولنا ما روينا من حديث حمزة أنه جعل لها النصف الباقي بعد فرض بنت معتقها حين مات عنها فعلم بقوله عليه الصلاة والسلام ولم يدع وارثا يعني وارثا هو عصبته وفي المحيط أقام مسلم بينة عادلة أنه أعتقه وأنه مات مسلما لا وارث له غيره فأقام الذمي شاهدين مسلمين أنه أعتقه وأنه مات كافرا لا وارث له غيره فللمسلم نصف الميراث ونصف الميراث لأقرب الناس من المسلمين إلى الذمي لاستوائهما في الحجة. ولو شهدا أن الميت مولى فلان عتاقة لم يجز القضاء حتى يقولوا إن هذا الحي أعتق هذا الميت وهو يملكه وهو وارثه لا يعلم له وارثا غيره مات رجل وأخذ آخر ماله وادعى أنه وارثه لم يؤخذ منه المال؛ لأن يده ثابتة على المال فإن خاصمه إنسان طلب منه البينة؛ لأنه يدعي استحقاق ما في يده ادعى أن أباه أعتقه فشهد ابنا أخيه لم تقبل؛ لأنها شهادة للجد ادعى رجلان ولاءه بالعتق فأقاما البينة جعل الميراث بينهما لاستوائهما في الحجة، ولو قضى القاضي لأحدهما بالولاء والإرث، ثم شهد آخران لآخر بمثله لا تقبل إلا أن يشهد أنه اشتراه من الأول قبل أن يعتقه فيبطل القضاء للأول أقام أحدهما البينة على ولاء العتاقة والآخر على أنه حر الأصل أسلم على يده ووالاه والغلام يدعيه فهو أولى ادعى رجل أن أباه أعتق فلانا الميت وآخران أباه أعتقه وأقرت بينة الميت به فالإقرار باطل والشهادة جائزة، ولو شهد للآخر ابن وبنتان فالولاء بينهما ادعى آخر أنه أعتق الميت وأقام البينة وأقام من في يده المال البينة على مثل ذلك فالمال والولاء بينهما. قال رحمه الله: (فإن مات المولى، ثم المعتق فميراثه لأقرب عصبة المولى)؛ لأن الولاء يجر الإرث وإنما يثبت للعصبة بطريق الخلافة فيقدم الأقرب فالأقرب حتى لو ترك أبا مولاه وابن مولاه كان الولاء للابن، ولو ترك جد مولاه وأخا مولاه كان الولاء للجد؛ لأنه أقرب في العصبة وفي الأول خلاف أبي يوسف فإنه يعطي الأب السدس والباقي للابن والثاني خلاف من يرى توريث الإخوة مع الجد، وكذا الولاء لابن المعتقة دون أخيها وعقل جنايتها على أخيها؛ لأنه من قوم أبيها لما روي أن علي بن أبي طالب والزبير بن العوام اختصما إلى عثمان في معتق صفية بنت عبد المطلب حين مات فقال علي مولى عمتي فأنا أحق بإرثه لأني أعقل عنها، وقال الزبير هو مولى أمي فأنا أرثها فكذا أرث معتقها فقضى عثمان بالإرث للزبير وبالعقل على علي، ولو ترك المعتق ابن مولاه وابن ابن مولاه كان الولاء للابن دون ابن الابن لما روي عن عمر وعلي وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبير أي لأكبر الأولاد والمراد أقربهم نسبا لا أكبرهم سنا، ولو مات المعتق ولم يترك إلا ابنة المعتق فلا شيء لبنت المعتق في ظاهر الرواية عن أصحابنا ويوضع ماله في بيت المال وبعض المشايخ كانوا يفتون بالدفع إليها لا بطريق الإرث، بل؛ لأنها أقرب الناس إلى الميت وليس في زماننا بيت مال منتظم، ولو دفع إلى السلطان أو القاضي لا يصرفه إلى المستحق ظاهرا. وكذا ما فضل عن فرض الزوجين يرد عليهما، وكذا ولد الابن والبنت من الرضاع يصرف إليهما إذا لم يكن هناك أقرب منهما ذكر هذه المسائل في النهاية والذميون يتوارثون كالمسلمين؛ لأنه أحد أسباب الإرث وفي المحيط مات المعتق عن ابنين فمات أحدهما عن ابن والآخر عن ابنين، ثم مات المعتق فالميراث على عدد رءوسهم؛ لأنهم سواء في كونهم عصبة الميت، ولو أعتقت المرأة، ثم ماتت عن زوج عبد وابن وبنت، ثم مات المعتق فميراثه لابن المعتقة؛ لأنه عصبتها لا غير أعتق أمه ومات عن ابن والابن عن أخ لأمه، ثم ماتت المعتقة فالميراث للعصبة ولا شيء للأخ؛ لأنه ليس بعصبة أخرى وفيه أيضا ارتد ولحق بدار الحرب وله معتق فمات المعتق ورثه الرجال من ورثته ا هـ. قال رحمه الله: (وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو دبرن أو دبر من دبرن أو جر ولاء معتقهن أو معتق معتقهن) لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن» الحديث يعني المرأة تساوي الرجل في ولاء العتاقة النسبية بسبب إثبات القوة الحكمية للمعتق وهي تساوي الرجل فيه كما أنها تساويه في ملك المال فينسب إليها كما ينسب إلى الرجل ولهذا جعلت عصبة فيه كالرجل وفي الذخيرة، ولو أن امرأة اشترت أباها حتى عتق عليها، ثم مات الأب عن هذه الابنة وبنت أخرى فالثلثان لهما بحكم الفرض والباقي للمشترية بحكم الولاء، ولو كان الأب بعدما عتق على بنتيه أعتق عبدا، ثم مات الأب، ثم مات معتق الأب وبقيت الابنة المشتراة كان الميراث للمشتراة ويرث ابن المعتق من ولد المعتق ا هـ. والله تعالى أعلم. قال في الهداية في ولاء الموالاة أخر ولاء الموالاة عن ولاء العتاقة؛ لأن ولاء العتاقة أقوى؛ لأنه غير قابل للتحول والانتقال في جميع الأحوال بخلاف ولاء الموالاة فإن للمولى أن ينتقل قبل العقد ولأنه يوجد في ولاء العتاقة الإحياء الحكمي ولا يوجد في ولاء الموالاة الإحياء أصلا؛ ولأن ولاء العتاقة متفق عليه في أنه سبب للإرث؛ ولأنه مقدم على ذوي الأرحام والكلام فيه من وجوه الأول في دليله والثاني في ركنه والثالث في تفسيره لغة وشرعا والرابع في شرطه والخامس في حكمه أما دليله فلقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عمن أسلم على يد رجل فقال: «هو أحق الناس بمحياه ومماته» أي بميراثه وحديث تميم الداري «أن رجلا أسلم على يد رجل ووالاه فقال عليه الصلاة والسلام هو أخوك ومولاك تعقل عنه وترث منه»، وأما ركنه فقوله أنت مولاي على كذا. وأما الولاء لغة فهو مشتق من الولي وهو القرب وحصول الثاني بعد الأول من غير فصل ويسمى ولاء العتاقة وولاء الموالاة، وأما تفسيره شرعا على ما ذكر في الذخيرة وغيرها هو أن يسلم رجل على يد رجل فيقول للذي أسلم على يده واليتك على أني إن مت فميراثي لك وإن جنيت فعقلي عليك وعلى عاقلتك وقبل الآخر هذا قال في العناية والنهاية، وأما شرطه فله ثلاث شرائط أحدها أن يكون مجهول النسب بأن لا ينسب إلى شخص، بل ينسب إلى غيره، وأما نسبة غيره إليه فغير مانعة والثاني أن لا يكون له ولاء عتاقة ولا ولاء الموالاة مع أحد، وقد عقل عنه والثالث أن لا يكون عربيا ا هـ. وفي الكافي إنما تصح ولاية الموالاة بشرائط منها أن يشترط الإرث والعقل قال في العناية فإن قيل من شرط العقل عقل الأعلى أو حريته فإن موالاة الصبي والعبد باطلة فكيف جعل الشرائط ثلاثة وأجيب بأن المذكور إنما هي الشرائط العامة المحتاج إليها في كل واحد من الصور، وأما ما ذكرت فإنه نادر فلم يذكره وفي الشارح، ولو ذكر الإرث من الجانبين كان كذلك؛ لأنه يمكن أن يتوارثا بخلاف ولاء العتاقة بحيث لا يرث إلا الأعلى ويدخل فيه الأولاد الصغار ومن يولد بعد عتق الموالاة وفي البدائع ومن شرائط عقد الموالاة فمنها عقل العاقدين وحرية الأسفل أيضا. ا هـ. وفي المبسوط، وإذا عقد العقد العبد عقد الموالاة بإذن مولاه كان عقده كعقد مولاه فيكون الولاء للمولى ا هـ. وأما حكمه شرعا فالإرث والعقل عنه واعترض بأن الإرث والعقل شرط لصحة العقد فكيف يكون حكما والشرط متقدم والحكم متأخر وأجيب بأنه يجوز أن يعتبر له حالتان فباعتبار التقديم شرطا وباعتبار التأخير حكما قال رحمه الله: (أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه أو على يد غيره ووالاه صح وعقله على مولاه وإرثه له وإن لم يكن له وارث) وقوله أسلم إلى آخره ظاهره أن حدوث الإسلام لا بد منه وأن الإسلام أيضا لا بد منه؛ لأنه موالاة مجهول الحال، ولو لم يعلم حدوث إسلامه صحيحة ويصح موالاة الذمي للمسلم فلو قال غير عربي إلى آخره لكان أولى ليشمل المسلم والذمي ومن أحدث الإسلام وغيره فإن قلت قال في المحيط ذمي من نصارى العرب ليس له أن يوالي غير قبيلته ا هـ. فهذا يدل على أن غير المجهول يصح معه عقد الموالاة قلنا لا يقبل ذلك؛ لأنه إنما قال ذلك؛ لأن عقد الموالاة ثابت له مع قبيلته فأغناه عنها مع الغير، ولو عقد مع قبيلته كان فيه تحصيل الحاصل وهو محال، وقال مالك والشافعي لا اعتبار بهذا أصلا، وقد بين الدليل من الجانبين في المطولات واعترض صاحب غاية البيان على وجوب اشتراط الإرث والعقل في صحة عقد الموالاة حيث قال قال الحاكم الشهيد إذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه فإنه يرثه ويعقل عنه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. وهذا يدل على أن اشتراط الإرث والعقل ليس بشرط، بل مجرد العقل كاف وأجيب بأن عدم وقوع التصريح بذكرهما بناء على ظهورهما فضمن عقد الموالاة ذلك، ولو لم يذكر وفي المحيط أسلمت ذمية فوالت رجلا ولها ولد صغير من ذمي لم يكن ولاء ولدها لمولاها في قولهما وفي قياس قول الإمام يكون له أسلم رجل على أن يكون ولاؤه لأول ولد له لا يجوز؛ لأن عقد الموالاة لا يجوز تعليقه بالأخطار فلو قال إن واليتك إن فعلت كذا لم يصح وإن كان لمن عقد عقد الموالاة ولد كبير فإذا أسلم ابنه الكبير على يد رجل ووالاه فولاؤه له؛ لأنه أولى بنفسه لانقطاع ولاية الأب وإن أسلم ولم يوال أحدا فولاؤه موقوف بخلاف ولاء العتاقة فإن الولد الكبير يتبع الأب في ولاء العتاقة؛ لأن الكبير يستنصر من يوالي أبيه رجل والى رجلا، ثم ولد له من امرأته ولد فوالت رجلا فولاء الولد لمولى الأب، وإذا والى رجلا وابنه الكبير رجلا كان كل واحد لمولاه ولا يجر بعضهم بعضا فإن سبي ابنه وأعتق لم يجر ولاء أبيه فإن سبي أبوه وأعتق جر ولاء الابن؛ لأن الابن ينسب إلى الأب فكذا في الموالاة فإن كان له ابن ابن والابن لم يسب لكن أسلم فوالاه رجل فسبى الجد فأعتق لم يجر الجد ولاءه إلا أن يجر ولاء ابنه فينجر حتى لو كان الأسفل مواليا حربيا والجد معتقا لا يجر إلا أن يسلم الأوسط فيجره الجد فينجر بجره أسلم الحربي ولم يوال أحدا، ثم أعتق أبوه جر ولاءه. ولو أسلم أبوه ووالى رجلا لم يجر والى ذمي مسلما أو ذميا جاز وهو مولاه؛ لأنه يجوز أن يكون للذمي على المسلم ولاء العتاقة فكذا ولاء الموالاة فإن قلت قال في المحيط ذمي والى مسلما فمات لم يرثه؛ لأن الإرث باعتبار التناصر والتناصر في غير القرب إنما هو بالدين فهذا يفيد أن الموالاة لا تكون بين المسلم والذمي قلنا هي تكون بينهما لكن الإرث إنما يكون حيث لا مانع وحينئذ المانع هنا وهو اختلاف الدين وإن أسلم على يد حربي ووالاه لم يذكره في الكتاب واختلفوا فيما إذا أعتق الحربي عبده المسلم قيل يصح؛ لأنه يجوز أن يكون للحربي على المسلم ولاء العتاقة فكذا ولاء الموالاة، وقيل لا يصح؛ لأنه عقد الموالاة مع الحربي للتناصر، وقد نهينا عن ذلك بخلاف الذمي ا هـ. وفي المبسوط رجل اشترى من رجل عبدا، ثم شهد أن البائع كان أعتقه فهو حر وولاؤه موقوف إذا جحد البائع ذلك فإن صدقه البائع بعد ذلك ظهر أنه المولى، وكذا إن صدقه الورثة بعد موته وفي التتارخانية رجل من أهل الذمة أعتق عبدا فنقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فأخذ واسترق فصار عبد الرجل وأراد معتقه أن يوالي رجلا لم يكن له ذلك؛ لأن مولى العتاقة لا يملك أن يوالي أحدا فإن أعتق مولاه يوما من الدهر فإنه يرثه وإن جنى جناية عقل عن نفسه ولا يعقل عنه مولاه هكذا ذكر في عامة الروايات وفي بعضها قال يرثه ويعقل عنه. وإذا أقر الرجل بالولاء لآخر وصدقه يصير مولى له يعقل عنه ويرثه فإن كان له أولاد كبار فكذبوا الأب فيما أقر وقالوا أبونا مولى لفلان آخر وصدقهم فلان في ذلك فهم مصدقون في حق أنفسهم وإن قال أعتقني فلان أو فلان وكل منهما يدعي أنه المعتق لا يلزم العبد شيء وإن أقر بعد ذلك لأحدهما بعينه أو لغيرهما يجوز إقراره على قولهما وعلى قول الإمام لا يجوز إذا أقر الرجل أنه مولى امرأة أعتقته فقالت المرأة لم أعتقك لكن أسلمت على يدي وواليتني فهو مولاها فإذا أراد التحول عنها إلى غيرها ففي قياس قول الإمام ليس له ذلك وفي قولهما له ذلك أقر أن فلانا أعتقه وأنكر فلان، وقال ما أعتقتك ولا أعرفك فأقر المقر لإنسان آخر لا يصح إقراره عند الإمام، وعندهما يصح وفي المحيط ولا يجوز بيع ولاء الموالاة ولا ولاء العتق؛ لأنه ليس بمال. قال رحمه الله: (وهو آخر ذوي الأرحام) إذا لم يكن له وارث غير ذوي الأرحام فإرثه له وفي المحيط، ولو ادعى رجل ولاء الموالاة وأقام البينة وادعى آخر مثل ذلك وأقام البينة فالمتأخر أولى؛ لأنه يحتمل الفسخ بخلاف ولاء العتاقة ا هـ. قال رحمه الله: (وله أن يتحول منه إلى غيره بمحضر من الآخر ما لم يعقل عنه)؛ لأن العقد غير لازم كالوصية والوكالة ولكل واحد منهما أن يفسخه بعلم الآخر فإن كان الآخر غائبا لا يملك فسخه وإن كان غير لازم؛ لأن العقد تم لهما كما في الشركة والمضاربة والوكالة ولا يعرى عن ضرر؛ لأنه ربما يموت الأسفل فيأخذ الأعلى ميراثه فيكون مضمونا عليه أو يعقل الأسفل عبيدا على حسان إن عقل عبيده على المولى الأعلى فيجب عليه وحده فيتضرر بذلك فلا يصح الفسخ إلا بمحضر من الآخر بخلاف ما إذا عقد الأسفل الموالاة مع غيره بغير محضر من الأول حتى يصح وينفسخ العقد الأول؛ لأنه فسخ حكمي فلا يشترط فيه العلم كما في الوكالة والمضاربة والشركة؛ لأن الموالاة كالنسب إذا ثبت من شخص ينافي كونه مع غيره فينفسخ ضرورة والمرأة في هذا كالرجل. وقوله ما لم يعقل عنه؛ لأنه إذا عقل عنه ليس له أن يتحول إلى غيره لتأكده بتعلق حق الغير به لحصول المعقود به ولاتصال العصوبة؛ ولأن ولاية التحول قبل أن يعقل عنه باعتبار أنه عقد تبرع فإذا عقل عنه صار كالعوض في الهبة، وكذا لا يتحول ولده بعدما تحمل الجناية عن أبيه، وكذا إن عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما أن يتحول إلى غيره؛ لأنهما كشخص واحد في حكم الولاء. قال رحمه الله: (وليس للمعتق أن يوالي أحدا)؛ لأن ولاء العتاقة لازم لا يحتمل النقض بعد ثبوته فلا ينفسخ ولا ينعقد معه؛ لأنه لا ينقل؛ لأن الإرث بولاء العتاقة مقدم على الإرث بولاء الموالاة ألا ترى أن شخصا لو مات وترك مولى عتاقته ومولى موالاته كان المال للمعتق قال في المبسوط، ولو مات الأعلى، ثم مات الأسفل فإنما يرثه المذكور من أولاد الأعلى دون الإناث على نحو ما بينا في ولاء العتاقة. قال رحمه الله: (ولو والت امرأة فولدت تبعها فيه) يعني ولدت ولدا لا يعرف له أب، وكذا لو أقرت أنها مولاة فلان ومعها ولد صغير لا يعرف له أب صح إقرارها على نفسها ويتبعها ولدها فيه، وهذا عند الإمام، وقالا لا يتبعها ولدها فيه في الصورتين، وقد تقدم بيان ذلك. (فروع) عبد لحربي خرج مستأمنا في تجارة لمولاه فأسلم يبيعه الإمام ويمسك ثمنه على مولاه، وكذا لو أسلم العبد في دار الحرب وخرج تاجرا لمولاه؛ لأنه لم يعتق عليه لما خرج بإذن المولى وإن خرج مراغما فهو حر ويوالي من شاء إلا إذا عقل عنه بيت المال. ا هـ. والله أعلم بالصواب.
|